فصل: من أسرار القرآن الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} (الرعد: 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} [الرعد: 20]
قيل: عهد الله تعالى مع المؤمنين القيام له سبحانه بالعبودية في السراء والضراء: {والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} فيصلون بقلوبهم محبته وبأسرارهم مشاهدته سبحانه وقربته: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} عند تجلي الصفات في مقام القلب فيشاهدون جلالة صفة العظمة ويلزمهم الهيبة والخشية {وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ} [الرعد: 21] عند تجلي الأفعال في مقام النفس فينظرون إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف.
وسئل ابن عطاء ما الفرق بين الخشية والخوف؟ فقال: الخشية من السقوط عن درجات الزلفى والخوف من اللحوق بدركات المقت والجفا، وقال بعضهم: الخشية أدق والخوف أصلب: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ} صبروا عما دون الله تعالى بالله سبحانه لكشف أنوار وجهه الكريم أو صبروا في سلوك سبيله سبحانه عن المألوفات طلبًا لرضاه: {والذين يُمَسّكُونَ} صلاة المشاهدة أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات البدنية: {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلاَنِيَةً} أفادوا مما مننا عليهم من الأحوال والمقامات والكشوف وهذبوا المريدين حتى صار لهم ظاهرًا وباطنًا أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية أيضًا: {وَيَدْرَءونَ بالحسنة} الحاصلة لهم من تجلي الصفة الإلهية السنية: {السيئة} التي هي صفة النفس، وقال بعضهم: يعاشرون الناس بحسن الخلق فإن عاملهم أحد بالجفاء قابلوه بالوفاء: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار} [الرعد: 22] البقاء بعد الفناء أو العاقبة الحميدة: {جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} قيل: يدخلون جنة الذات ومن صلح من آباء الأرواح ويدخلون جنة الصفات بالقلوب ويدخلون جنة الأفعال ومن صلح من أزواج النفوس وذريات القوى أو يدخلون جنات القرب والمشاهدة والوصال ومن صلح من المذكورين تبع لهم ولأجل عين ألف عن تكرم: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} [الرعد: 23]: {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} [الرعد: 24] يدخل عليهم أهل الجبروت والملكوت من كل باب من أبواب الصفات محيين لهم بتحايا الإشراقات النورية والإمدادات القدسية أو يدخل عليهم الملائكة الذي صحبوهم في الدنيا من كل باب من أبواب الطاعة مسلمين عليهم بعد استقرارهم في منازلهم كما يسلم أصحاب الغائب عليه إذا قدم إلى منزله واستقر فيه: {الذين آمنوا}
الإيمان العلمي بالغيب: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله} قالوا: ذكر النفس باللسان والتفكر في النعم، وذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة صفات الجمال، وذكر السر بالمناجاة، وذكر الروح بالمشاهدة، وذكر الخفاء بالمناغاة في العشق، وذكر الله تعالى بالفناء فيه: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] وذلك أن النفس تضطرب بظهور صفاتها وأحاديثها وتطيش فيتلون القلب ويتغير لذلك فإذا تفكر في الملكوت ومطالعة أنوار الجمال والجبروت استقر واطمأن، وسائر أنواع الذكر إنما يكون بعد الاطمنان، قال الهزجوري: قلوب الأولياء مطمئنة لا تتحرك دائمًا خشية أن يتجلى الله تعالى عليها فجأة فيجدها غير متسمة بالأدب: {الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} تخلية وتحلية: {طوبى لَهُمْ} بالوصول إلى الفطرة وكمال الصفات {وَحُسْنُ مَئَابٍ} [الرعد: 29] بالدخول في جنة القلب وهي جنة الصفات أو طوبى لهم الآن حيث لم يوجد منهم ما يخالف رضاء محبوبهم وحسن مآب في الآخرة حيث لا يجدون من محبوبهم خلاف مأمولهم: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] أي بحسب كسبها ومقتضاه أي كما تقتضي مكسوباتها من الصفات والأحوال التي تعرض لاستعدادها يفيض عليها من الجزاء: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ} [الرعد: 36] ما أخرج سبحانه أحدًا من العبودية حتى سيد أحرار البرية صلى الله عليه وسلم، وفسرها أبو حفص بأنها ترك كل ملك وملازمة المأمور به.
وقال الجنيد قدس سره: لا يرتقي أحد في درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه وبين الله تعالى أوائل البدايات وهي الفروض والواجبات والسنن والأوراد، ومطايا الفضل عزائم الأمور فمن أحكم على نفسه هذا من الله تعالى عليه بما بعده: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} فيه على ما قيل إشارة إلى أنه إذا شرف الله تعالى شخصًا بولايته لم يضر به مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ولم يكن بسط الدنيا له قدحًا في ولايته، وقوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فيه منع طلب الكرامات واقتراحها من المشايخ: {لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38] لكل وقت أمر مكتوب يقع فيه ولا يقع في غيره؛ ومن هنا قيل: الأمور مرهونة لأوقاتها، وقيل: لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص: {يَمْحُو الله ما يشاء ويثبت} قيل: يمحو عن ألواح العقول صور الأفكار ويثبت فيها أنوار الأذكار ويمحو عن أوراق القلوب علوم الحدثان ويثبت فيها لدنيات علم العرفان، وقيل: يمحو العارفين بكشف جلاله ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله، وقال ابن عطاء: يمحو أوصافهم ويثبت أسرارهم لأنها موضع المشاهدة، وقيل: يمحو ما يشاء عن الألواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفنى ويثبت ما يشاء فيها فيوجد: {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} [الرعد: 39] العلم الأزلي القائم بذاته سبحانه، وقيل: لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل وفيه كل ما كان ويكون أزلًا وأبدًا على الوجه الكلي المنزه عن المحو والاثبات، وذكروا أن الألواح أربعة.
لوح القضاء السابق العالي عن المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول.
ولوح القدر وهو لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ.
ولوح النفس الجزئية السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيئته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه والثاني بمثابة قلبه.
ثم لوح الهيولي القابل للصور في عالم الشهادة اهـ وهو كلام فلسفي: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قيل: ذلك بذهاب أهل الولاية الذي بهم عمارة الأرض، وقيل: الإشارة أنا نقصد أرض وقت الجسد الشيخوخة ننقصها من أطرافها بضعف الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة شيئًا فشيئًا حتى يحصل الموت أو نأتي أرض النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء أفعالها بأفعالنا أولًا وبإفناء صفاتها بصفاتنا ثانيًا وبافناء ذاتها في ذاتنا ثالثًا: {لاَ مُعَقّبَ لحكمه} [الرعد: 41] لا راد ولا مبدل لكل ما حكم به نسأل الله تعالى أن يحكم لنا بما هو خير وأولى لي الآخرة والأولى بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان:

.من أسرار القرآن الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} [الرعد: 41]:

بقلم: د. زغلول النجار
جاءت هذه الآية الكريمة في خواتيم سورة الرعد، وهي السورة الوحيدة من سور القرآن التي تحمل اسم ظاهرة من الظواهر الجوية، وسورة الرعد توصف بأنها سورة مدنية. وإن كان الخطاب فيها خطابا مكيا، يدور حول أسس العقيدة الاسلامية ومن أولها قضية الايمان بالوحي المنزل من رب العالمين إلى خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين، والايمان بالحق الذي اشتمل عليه هذا الوحي الرباني، ومن ركائزه الايمان بالله، وبوحدانيته المطلقة فوق كافة خلقه، والايمان بملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وما يستتبعه من بعث ونشور، وعرض أكبر أمام الله، وحساب وجزاء، وما يستوجبه هذا الايمان من خشية لله وتقواه، وحرص علي طلب رضاه بالعمل الصالح لأن ذلك كله نابع من الايمان بالوحي، وبأن الله تعالى هو منزل القرآن الداعي الي عبادة الله بما أمر-سبحانه وتعالى-، وبالقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بحسن عمارتها، وإقامة عدل الله فيها.
وتعجب الآيات من منكري البعث والحساب والجزاء، الدين كفروا بربهم، وكذبوا رسله، وجحدوا آياته، وتعرض لشيء من عذابهم في الآخرة، وخلودهم في النار.
وتستشهد السورة في مواضع كثيرة منها بالعديد من الآيات والظواهر الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الخلق والافناء، وفي الأماتة والاحياء، وفي النفع والضر، والشاهدة علي أن كل ما جاء به القرآن الكريم حق مطلق، وإن كان أكثر الناس لا يؤمنون.
ثم تقارن الآيات بين أهل النار وأهل الجنة، وبين أوصاف كل فريق منهم وخصاله وأعماله، وضربت لهما مثلا بالأعمي والبصير، وبينت مصير كل من الفريقين، مع تصوير رائع لكل من الجنة والنار.
وتستطرد آيات سورة الرعد في الحديث عن عدد من الظواهر الكونية من مثل حدوث الرعد، والبرق، والصواعق، وتكوين السحاب الثقال، وإنزال المطر، وتدفق الأودية بمائه حاملة من الزبد والخبث الذي لايلبث أن يذهب جفاء، وبما ينفع الناس من نفائس المعادن التي لا تلبث أن تمكث في الأرض، وتشبه الآيات الكريمة ذلك بكل من الباطل والحق، ولله المثل الأعلي.
ثم تعرض السورة لحقيقة غيبية تتمثل في تسبيح الرعد بحمد الله، وتسبيح الملائكة خشية لجلالة، وخيفة من سلطانه، وجميع من في السماوات والأرض يسجد لله طوعا وكرها، حتي ظلالهم فإنها تسجد لله بالغدو والاصال، أي مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، فيمد الظل ويقبض في حركة كأنها الركوع والسجود.
وتنعي الآيات علي الكفار استهزاءهم بالرسل السابقين علي بعثة المصطفي-صلى الله عليه وسلم-، وفي الاشارة الي ذلك ضرب من التثبيت لرسول الله، والتأكيد له علي أن الابتلاء هو طريق النبوات، وطريق أصحاب الرسالات من بدء الخلق إلى قيام الدعوة المحمدية وإلي أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها...!!! وتشير السورة بالقرب من نهايتها الي فرح الصالحين من أهل الكتاب بمقدم الرسول الخاتم، في الوقت الذي حاول فيه الكفار والمشركون التشكيك في حقيقة رسالته وتؤكد انزال القرآن حكما عربيا مبينا، وتدعو المصطفي صلى الله عليه وسلم الي الحذر من ضغوط الكافرين من أجل اتباع أهوائهم. وتؤكد أنه ما كان لرسول من الرسل أن يأتي بآية الا بإذن الله.
ثم تأتي الآية الكريمة التي نحن بصددها ناطقة بحقيقة كونية يقول عنها ربنا-تبارك وتعالى-: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب} [الرعد:41] ويتكرر معني هذه الآية الكريمة مرة أخري في سورة الأنبياء والتي يقول فيها ربنا-تبارك وتعالى-: {بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتي طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} [الأنبياء:44].
ثم تختتم سورة الرعد بالحديث عن مكر الأمم السابقة الذي لم يضر المؤمنين شيئا لأن لله تعالى المكر جميعا، وأن له-سبحانه وتعالى- عقبي الدار، كما تتحدث عن إنكار الكافرين لبعثة المصطفي-صلى الله عليه وسلم-وتأتي الآيات، مؤكدة أن الله تعالي يشهد له بالنبوة والرسالة وكذلك كل من عنده علم من رسالات الله السابقة لوجود ذكره صلى الله عليه وسلم في الآيات التي لم تحرف من بقايا كتبهم.
وهنا يبرز التساؤل المنطقي: ما هو معني إنقاص الأرض من أطرافها في هاتين الايتين الكريمتين؟ وما هو مغزي دلالتها العلمية والمعنوية؟ وقبل الخوض في ذلك لابد من استعراض سريع لشروح المفسرين.
شروح المفسرين لمعني إنقاص الأرض من أطرافها في تفسير قول الحق-تبارك وتعالى-: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} ذكر ابن كثير قول ابن عباس رضي الله عنهما: أو لم يروا أنا نفتح لمحمد صلي الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض، وقوله في مقام آخر: انقاصها من اطرافها هو خرابها بموت علمائها، وفقهائها، وأهل الخير منها وقال ابن كثير: والقول الأول أولي، وهو ظهور الاسلام علي الشرك قرية بعد قرية، كقوله تعالي: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القري} الآية، وأشار الي أن هذا هو اختيار ابن جرير.
كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمة: إنقاص الأرض من أطرافها معناه خرابها، أو هو موت علمائها، وقول كل من الحسن والضحاك: هو ظهور المسلمين علي المشركين، كما قالا: هو نقصان الأنفس والثمرات، وخراب الأرض، وقول الشعبي: لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك أي بستانك، ولكن تنقص الأنفس والثمرات.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين: {او لم يروا} أي: أهل مكة وغيرها {أنا نأتي الأرض} نقصد أرضهم، {ننقصها من أطرافها} بالفتح علي النبي صلي الله عليه وسلم.
أما صاحب الظلال فذكر: أن يد الله القوية تأتي الأمم الغنية حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وقدرها وثرائها وتحصرها في رقعة ضيقة من الأرض بعد أن كانت ذات امتداد وسلطان.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض..} أي أأنكروا نزول ما وعدناهم، أو شكوا ولم يروا أننا نفتح أرضهم من جوانبها ونلحقها بدار الاسلام!! أولم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم كقوم عاد وثمود! فكيف يأمنون حلول ذلك بهم!....وجاء في صفوة التفاسير ما نصه: أي أو لم ير هؤلاء المشركون أنا نمكن للمؤمنين من ديارهم ونفتح للرسول الأرض بعد الأرض حتي تنقص دار الكفر وتزيد دار الاسلام؟ وذلك من أقوي الأدلة علي أن الله منجز وعده لرسوله عليه السلام.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: وأن أمارات العذاب والهزيمة قائمة! ألم ينظروا الي أنا نأتي الأرض التي قد استولوا عليها، يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء؟ وبذلك ننقص عليهم الأرض من حولهم، والله وحده هو الذي يحكم بالنصر أو الهزيمة، والثواب أو العقاب، ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته، فلا يحتاج الفصل الي وقت طويل، لأن عنده علم كل شيء، فالبينات قائمة. وفي الهامش جاء ذكر ما يلي: تتضمن هذه الآية حقائق وصلت اليها البحوث العلمية الأخيرة إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها، وقوة طردها المركزي يؤديان الي تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك عرف أن سرعة انطلاق جزيئات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، اذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها فإنها تنطلق الي خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، لا أرض أعداء المؤمنين، وهذا احتمال في التفسير تقبله الآية الكريمة.
من الدلالات العلمية لإنقاص الأرض من أطرافها ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بمعني الكوكب ككل، كما ترد بمعني اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحرية والمحيطية، وإن كانت ترد أيضا بمعني التربة التي تغطي صخور اليابسة. ولإنقاص الأرض من أطرافها في إطار كل معني من تلك المعاني عدد من الدلالات العلمية التي نحصي منها ما يلي:
أولا: في إطار دلالة لفظة الأرض علي الكوكب ككل:
في هذا الإطار نجد ثلاثة معان علمية بارزة يمكن ايجازها فيما يلي:
(أ) إنقاص الأرض من أطرافها بمعني إنكماشها علي ذاتها وتناقص حجمها باستمرار:
يقدر متوسط قطر الأرض الحالية بحوالي 12742 كم، ويقدر متوسط محيطها بنحو 40042 كم، ويقدر حجمها بأكثر من مليون مليون كم 3. وتفيد الدراسات أن أرضنا مرت بمراحل متعددة من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن عملية الانفجار العظيم إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسية، وبذلك خلقت الأرض الابتدائية التي لم تكن سوي كومة ضخمة من الرماد ذات حجم هائل يقدر بمائة ضعف حجمها الحالي علي الأقل، ومكونة من عدد من العناصر الخفيفة. ثم ما لبثت تلك الكومة الابتدائية أن رجمت بوابل من النيازك الحديدية، والحديدية الصخرية، والصخرية، كتلك التي تصل الأرض في زماننا والتي تتراوح كمياتها بين الألف والعشرة آلاف طن سنويا من مادة الشهب والنيازك.
وبحكم كثافتها العالية نسبيا اندفعت النيازك الحديدية إلى مركز تلك الكومة الابتدائية حيث استقرت، مولدة حرارة عالية أدت إلى صهر كومة الرماد التي شكلت الأرض الابتدائية وإلي تمايزها إلى سبع أرضين علي النحو التالي:
1- لب صلب داخلي: عبارة عن نواة صلبة من الحديد (90%) وبعض النيكل (9%) مع قليل من العناصر الخفيفة مثل الكربون والفوسفور، والكبريت والسيليكون والأوكسجين (1%) وهو قريب من تركيب النيازك الحديدية مع زيادة واضحة في نسبة الحديد، ويبلغ قطر هذه النواة حاليا ما يقدر بحوالي 2402 كم، وتقدر كثافتها بحوالي 10- 13.5 جرام/ سم 3.
2- نطاق لب الأرض السائل الخارجي: وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب، وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا ولكنه في حالة انصهار، ويقدر سمكه بحوالي 2275 كم، ويفصله عن اللب الصلب منطقة انتقالية شبه منصهرة يبلغ سمكها 450 كم تعتبر الجزء الأسفل من هذا النطاق، ويكون كل من لب الأرض الصلب والسائل حوالي 31% من كتلتها.
3- النطاق الأسفل من وشاح الأرض الوشاح السفلي: وهو نطاق صلب يحيط بلب الأرض السائل، ويبلغ سمكه نحو 2215 كم (من عمق 670 كم إلي عمق 2885 كم) ويفصله عن الوشاح الأوسط الذي يعلوه مستوي انقطاع للموجات الاهتزازية الناتجة عن الزلازل.
4- النطاق الأوسط من وشاح الأرض الوشاح الأوسط: وهو نطاق صلب يبلغ سمكه نحو 270 كم، ويحده مستويات من مستويات انقطاع الموجات الاهتزازية يقع أحدهما علي عمق 670 كم ويفصله عن الوشاح الأسفل، ويقع الآخر علي عمق 400 كم ويفصله عن الوشاح الأعلي.
5- النطاق الأعلي من وشاح الأرض الوشاح العلوي: وهو نطاق لدن، شبه منصهر، عالي الكثافة واللزوجة (نسبة الانصهار فيه في حدود 1%) يعرف باسم نطاق الضعف الأرضي ويمتد بين عمق 65- 120 كم وعمق 400 كم ويتراوح سمكه بين 335 كم و380 كم، ويعتقد بأن وشاح الأرض كان كله منصهرا في بدء خلق الأرض ثم أخذ في التصلب بالتدريج نتيجة لفقد جزء هائل من حرارة الأرض.
6- النطاق السفلي من الغلاف الصخري للأرض: ويتراوح سمكه بين 40- 60 كم (بين أعماق 60- 80 كم) 120 كم ويحده من اسفل الحد العلوي لنطاق الضعف الأرضي، ومن أعلي خط انقطاع الموجات الاهتزازية المعروف باسم الموهو.
7- النطاق العلوي من الغلاف الصخري للأرض قشرة الأرض:
ويتراوح سمكه بين (5- 8) كم تحت قيعان البحار والمحيطات وبين (60- 80) كم تحت القارات، ويتكون أساسا من العناصر الخفيفة مثل السيليكون، والصوديوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والألومنيوم، والأوكسجين مع قليل من الحديد (5.6%) وبعض العناصر الأخري وهو التركيب الغالب للقشرة القارية التي يغلب عليها الجرانيت والصخور الجرانيتية، أما قشرة قيعان البحار والمحيطات فتميل إلى تركيب الصخور البازلتية.
وأدى هذا التمايز في التركيب الداخلي للأرض إلى نشوء دورات من تيارات الحمل، تندفع من نطاق الضعف الأرضي الوشاح الأعلي غالبا، ومن وشاح الأرض الأوسط أحيانا، لتمزق الغلاف الصخري للأرض إلى عدد من الألواح التي شرعت في حركة دائبة حول نطاق الضعف الأرضي نشأ عنها الثورات البركانية، والهزات الأرضية، والحركات البانية للجبال، كما نشأ عنها دحو الأرض بمعني اخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها وتكون كتل القارات.